لماذا تستمر أزمة النقل في الجزائر رغم وعود تبون المتكررة؟

رغم الحملة الإعلامية التي صاحبت قرارات الرئيس عبد المجيد تبون بشأن قطاع النقل، إلا أنّ الواقع يكشف هشاشة هذه السياسات. فهي لا تتجاوز كونها حلولاً ترقيعية لا تستجيب لمتطلبات الإصلاح الجذري. وبالتالي، يبقى المواطن الجزائري أسير الفوضى والعشوائية في تنقله اليومي.

استيراد الحافلات.. سياسة هروب للأمام

أمر تبون باستيراد 10 آلاف حافلة جديدة لتعويض القديمة. ورغم أن القرار يبدو في ظاهره خطوة مهمة، إلا أنه يفضح فشل الدولة في بناء صناعة وطنية للنقل. علاوة على ذلك، يكشف هذا التوجه عن غياب أي رؤية اقتصادية مستقلة، إذ تواصل السلطة ربط السوق الوطني بالاستيراد المكلف. في المقابل، كان من الممكن الاستثمار في صناعة محلية توفّر فرص عمل وتحدّ من التبعية. ولهذا السبب، يبدو القرار مجرد محاولة لكسب الوقت لا أكثر.

تشريعات جديدة بلا رؤية واضحة

السلطة أعلنت عن قوانين جديدة تخص تنظيم المرور، تشمل تحميل السائقين مسؤولية الحوادث وتشديد الرقابة الأمنية. لكن في الحقيقة، هذه الإجراءات تركز فقط على معاقبة المواطن. من جهة أخرى، تتجاهل الدولة مسؤوليتها عن تردي الطرق، غياب الصيانة، وانتشار مدارس سياقة تفتقد للرقابة الجادة. إضافة إلى ذلك، يتم تمرير هذه القوانين في غياب نقاش مجتمعي واسع، مما يضعف مصداقيتها. وبالتالي، تتحول التشريعات إلى غطاء لتبرئة النظام من فشله، بدل أن تكون مدخلاً لإصلاح شامل.

رقابة أمنية بدل تطوير البنية التحتية

الاجتماع الرئاسي خلص إلى تكليف الدرك والأمن بتشديد المراقبة على الطرقات. غير أنّ هذه المقاربة الأمنية لا تقدم حلاً جذرياً، لأنها تركز على ردع السائقين وتتجاهل أصل المشكلة. إضافة إلى ذلك، يعاني الجزائريون من غياب شبكة مواصلات عصرية، مثل السكك الحديدية السريعة والمترو في أغلب المدن. على الرغم من ذلك، يواصل النظام تفضيل الردع على التخطيط. لهذا السبب، تبدو القرارات مجرد دعاية سياسية أكثر منها سياسة جادة للإصلاح.

الجمعيات الموالية.. تلميع سياسي لا أكثر

وكما هو معتاد، سارعت بعض الجمعيات والمنظمات إلى تمجيد قرارات تبون ووصفتها بـ”النقلة النوعية”. لكن الحقيقة أن هذه المواقف ليست سوى ترديد للبروباغندا الرسمية. على الرغم من ذلك، يعيش المواطن واقعاً مختلفاً، حيث يضطر يومياً إلى التنقل في ظروف غير إنسانية. وبالمقابل، تواصل السلطة الاعتماد على أصوات موالية لتغطية فشلها الواضح. نتيجة لذلك، يتسع الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني.

أزمة النقل مستمرة.. والحلول الحقيقية غائبة

الجزائر اليوم بحاجة إلى إصلاح شامل يضع النقل العمومي في صدارة الأولويات. مع ذلك، يفضّل النظام الحالي الحلول السطحية والقرارات الظرفية. إضافة إلى ذلك، تغيب أي استراتيجية واضحة للاستثمار في البنية التحتية أو تطوير النقل الجماعي العصري. بالتالي، تبقى أزمة النقل مرآة واضحة لغياب التخطيط الاستراتيجي واستمرار الفساد والبيروقراطية. ولهذا الغرض، يجب على المعارضة والمجتمع المدني الضغط من أجل تغيير حقيقي لا يقتصر على الشعارات.

وتثبت هذه القرارات مرة أخرى أن النظام الجزائري لا يملك رؤية واضحة لإصلاح قطاع النقل. ولهذا السبب، بدلاً من معالجة جذور الأزمة، يواصل الحكم تكرار نفس السياسات الفاشلة. وبالتالي، يعتمد على الإعلام الرسمي لتزيين فشله أمام الرأي العام، بينما يظل المواطن هو الضحية الأولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى