فوضى النقل العمومي تكشف عجز السلطة عن إصلاح قطاع استراتيجي في الجزائر

في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة التباهي بأرقام النمو الاقتصادي، يواجه الجزائريون معاناة يومية مع النقل العمومي. هذا القطاع الحيوي ينهار بشكل واضح، مما يعكس غياب رؤية حقيقية لدى السلطة. لذلك، وجّه ثمانية نواب من المجلس الشعبي الوطني، بتاريخ 17 أوت 2025، طلباً عاجلاً إلى الوزير الأول. وقد شددوا من خلاله على خطورة الوضع وضرورة التدخل السريع.
نقل عمومي مهترئ يهدد حياة الجزائريين
أكد النواب أن الفاجعة الأخيرة في بلدية الحراش لم تكن حادثاً عرضياً. بل كانت نتيجة مباشرة لاهتراء المنظومة برمتها. فالحافلات في العاصمة تجاوز عمرها خمسة عشر عاماً، بينما لا تسمح المعايير الدولية بأكثر من خمس سنوات. إضافة إلى ذلك، فإن العمر الإفتراضي لهذه المركبات تخطى عشر سنوات، ما يجعلها خطراً متحركاً في شوارع البلاد.
من جهة أخرى، تعاني الحافلات من أعطال متكررة بسبب ندرة قطع الغيار الأصلية وانتشار المقلدة. ونتيجةً لذلك، تتزايد المخاطر، وتتضاعف الحوادث. كما أن خطوط النقل الحضري في المدن الكبرى تعيش حالة تشبع خانقة، في ظل غياب أي توزيع عادل للخدمات.
غياب التكوين وسوء البنية التحتية
إضافة إلى أزمة المركبات، برزت مشكلة خطيرة أخرى، وهي غياب التكوين المهني للسائقين. إذ تكتفي السلطة بمنح رخص السياقة دون أي تدريب متخصص للتعامل مع الركاب أو الحالات الطارئة. وهذا الإهمال يزيد من احتمالات الحوادث.
على صعيد آخر، تعاني الطرق الجزائرية اهتراءً متواصلاً. كما أن الصيانة الدورية تكاد تكون منعدمة، الأمر الذي يضاعف من معاناة السائقين والركاب. والأدهى من ذلك أن دفتر شروط نقل المسافرين لم يتم تحديثه منذ سنوات طويلة، مما يجعله بعيداً كل البعد عن المعايير الدولية.
في المقابل، كان من المفترض أن تضطلع مديريات النقل الولائية بدور رقابي صارم. غير أن ضعف أدائها ساهم في تفاقم الفوضى. وبالتالي، فإن السلطة تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الانهيار.
مقترحات النواب: حلول ممكنة أم وعود جديدة؟
رغم سوداوية الوضع، طرح النواب جملة من المقترحات التي قد تمثل بداية إصلاح، إذا توفرت الإرادة السياسية. ومن أبرزها:
- إطلاق برنامج وطني لتجديد أسطول النقل الجماعي وسيارات الأجرة.
- إشراك البنوك الوطنية بقروض بدون فوائد لدعم الناقلين.
- تحديث دفتر شروط نقل المسافرين بما يتوافق مع المعايير الدولية.
- إعادة تفعيل برامج التكوين المهني للسائقين، خاصة في مجال السلامة والإسعافات الأولية.
- تكثيف الرقابة التقنية على المركبات ومتابعة نشاط الناقلين.
- تحسين البنية التحتية للطرق في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية.
غير أن هذه المقترحات، على أهميتها، تبقى مهددة بمصير مشابه لغيرها من الوعود السابقة. فالبيروقراطية المترسخة والفساد المستشري يشكلان عائقاً حقيقياً أمام أي تغيير فعلي.
سلطة عاجزة ومواطنون في خطر
من الواضح أن أزمة النقل العمومي تكشف فشل الدولة في حماية مواطنيها وضمان أبسط حقوقهم. فبدلاً من إصلاحات ملموسة، يكتفي المسؤولون بوعود فارغة وخطط مؤجلة. لذلك، يعيش المواطن الجزائري بين حافلات مهترئة وطرقات محفوفة بالمخاطر. وفي ظل غياب الإرادة السياسية، ستظل معاناته مستمرة، بينما تواصل السلطة إدارة ظهرها لصوت الشارع.