خدمة الجيل الخامس بالجزائر.. تكنولوجيا المستقبل تُطلق فوق بنية تحتية من الماضي

أعلنت وزارة البريد والمواصلات عن إطلاق خدمة الجيل الخامس رسميًا، في خطوة تقدّمها السلطة بوصفها تحولًا مهمًا في مسار تطوير الاتصالات. ورغم الطابع الاحتفالي لهذا الإعلان، إلا أن الحدث يكشف فجوة عميقة بين الخطاب السياسي حول الرقمنة وبين الواقع الذي يعيشه المواطن. فالسلطة تختار تسليط الضوء على مشروع متقدم تقنيًا رغم استمرار معاناة مناطق عديدة من نقص تغطية الجيل الرابع وضعف استقرار الإنترنت.

وشهد الحفل حضور شخصيات سياسية بارزة، من بينهم كمال سيدي السعيد مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالاتصال، ووزير الداخلية السعيد سعيود، ووزير المالية عبد الكريم بوالزرد، إضافة إلى وزير البريد سيد علي زروقي. ويعكس هذا الحضور الرسمي المكثف رغبة واضحة في تحويل حدث تقني إلى منصة دعائية تؤكد “التزام الدولة بالرقمنة”، رغم تأخر هذا الالتزام مقارنة بدول قريبة في المنطقة تمكنت من توسيع تغطيتها وتحسين خدماتها قبل سنوات.

كما شارك متعاملو الهاتف النقال في تقديم عروض تقنية توضح إمكانات خدمة الجيل الخامس في تطوير الخدمات الرقمية. إلا أن هذه العروض بقيت بعيدة عن الواقع الميداني، حيث لا يزال المواطن يواجه انقطاعات متكررة، وضعفًا في التدفق، وتغطية غير مستقرة حتى داخل المدن الكبرى. ويظهر هنا تناقض آخر بين الصورة التي تريد الشركات والسلطة تقديمها وبين مستوى الخدمة الفعلي الذي يحتاج إلى إصلاحات أعمق من مجرد إطلاق شبكة جديدة.

ورغم أهمية الجيل الخامس في دعم المؤسسات الرقمية والمشاريع الناشئة، إلا أن إطلاقه يطرح إشكالات مرتبطة بالبنية التحتية، والحكامة، والقدرة على تنفيذ مشاريع رقمية متكاملة. فالنظام يركز على الجوانب الشكلية للمشاريع التقنية بدل معالجة الأزمة الحقيقية في تسيير القطاع، والتي تتجلى في البيروقراطية، ونقص الشفافية، وتردد دائم في فتح السوق أمام منافسة فعلية تدفع نحو تحسين الجودة.

ويبدو الإطلاق، في شكله الحالي، أقرب إلى محاولة جديدة لإظهار التقدم التقني عبر إعلان رسمي، بدل أن يكون مشروعًا استراتيجيًا قائمًا على رؤية رقمية شاملة. فالتجارب السابقة مع مشاريع مماثلة تؤكد أن غياب إصلاحات حقيقية يحدّ من فعالية أي خطوة تقنية مهما كانت أهميتها. وقد عرف القطاع مبادرات تم الترويج لها كإنجازات وطنية لكنها بقيت دون أثر ملموس بسبب المركزية المفرطة وضعف المتابعة.

ومع أن خدمة الجيل الخامس تحمل فرصًا كبيرة للمؤسسات والمواطنين، إلا أن نجاحها يتطلب إرادة سياسية جادة لإصلاح القطاع بدل الاكتفاء بإعلانات احتفالية. فالمواطن ينتظر تحسين جودة الإنترنت، وتطوير الخدمات الإلكترونية، وضمان شفافية أكبر، وهي عناصر أساسية لبناء ثقة حقيقية في مشاريع الرقمنة.

وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال الأعمق هو ما إذا كان هذا الإطلاق يمثل بداية تحول رقمي فعلي، أم أنه سيظل مجرد عنوان جديد يضاف إلى قائمة المشاريع غير المكتملة، في ظل استمرار التناقض بين طموحات السلطة وواقع البنية التحتية التي تحتاج إلى إصلاح شامل قبل الحديث عن الانتقال نحو المستقبل الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى