نظام شنقريحة يفقد السيطرة.. عقيد في المخابرات يفرّ إلى سويسرا ويطلب اللجوء السياسي

في واقعة غير مسبوقة تعكس تصدّع نظام شنقريحة وبنيته الأمنية، فرّ العقيد “أنيس” المعروف بالاسم الحركي “مروان”، أحد كبار ضباط الاستخبارات، إلى سويسرا حيث قدّم طلبا رسميا للجوء السياسي، مرفوقا بأفراد أسرته، بعد أن تلقى أمرا عاجلا بالعودة إلى الجزائر.
العقيد الفارّ كان يشغل منصب الممثل الأمني للجزائر في سفارتها بروما طيلة خمس سنوات، ويُعدّ من الوجوه البارزة داخل المديرية العامة للأمن الداخلي. ووفقا لمصادر متقاطعة، فإن “مروان” فضّل القفز من السفينة على أن يعود إلى حضن جهاز تتآكله الصراعات الداخلية والتصفيات المتتالية، في مشهد يعكس حجم التفكك داخل أجهزة الاستخبارات الجزائرية، التي باتت تغيّر قياداتها كما يُغيّر المرء قميصه، بمعدل جنرال جديد كل بضعة أشهر منذ 2020.
الضابط المنتمي لأقسام التجسس ومكافحة التجسس، كان أحد رجالات الجنرال واسيني بوعزة، المسجون حاليا، وقد يكون قد استشعر أن مصيرا مماثلا ينتظره، خاصة في ظل سلسلة الاعتقالات التي طالت ضباطا كبارا سابقين، وأدخلت الرعب إلى كل من تبقى في الخدمة.
فرار العقيد تزامن مع زلزال جديد في قيادة جهاز الاستخبارات الداخلية، بعد الإطاحة بـ”عبد القادر حداد” الملقب بـ”ناصر الجن”، وتعيين الجنرال المثير للجدل “عبد القادر آيت وعرابي” المعروف بـ”الجنرال حسان”، العائد من غياهب السجون العسكرية التي قضى فيها خمس سنوات قبل أن يُعاد تدويره مجددًا ضمن منظومة السلطة.
اختيار “مروان” للوجهة السويسرية لم يكن عشوائيا. فسويسرا ليست فقط ملاذا آمنا، بل هي بلد يمتلك سجلا قانونيا قويا في تتبع جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. القضاء السويسري سبق أن فتح ملفات ضد رموز النظام، أبرزهم الجنرال المقبور خالد نزار، سفاح العشرية السوداء، الذي توفي أياما قبل مثوله أمام المحكمة. بل إن قائد الأركان الحالي المجرم سعيد شنقريحة نفسه لا يزال هدفا لشكاوى تتعلق بإعدامات ميدانية خلال العشرية السوداء.
فرار العقيد قد يُشكّل ضربة موجعة للنظام الجزائري، ليس فقط لأنه يُضعف هيبة جهازه الاستخباراتي، بل لأن الضابط المنشق قد يتحول إلى شاهد رئيسي في قضايا دولية ثقيلة تُهدد برفع الغطاء عن جرائم وملفات فساد تخص أعلى هرم السلطة العسكرية والأوليغارشية الحاكمة. سويسرا، من جهتها، تمتلك ما يكفي من الأدلة حول الأموال المنهوبة والعقارات الفاخرة التي اقتناها جنرالات الجزائر وأبناؤهم بأموال الشعب.
هذه الحادثة ليست معزولة، بل تندرج ضمن موجة هروب جماعي من بلد بات يُدار بمنطق الرعب، حيث لم يعد الفارّون يقتصرون على شباب الحراقة أو النشطاء الملاحقين، بل شملت كبار الضباط الذين يعرفون تفاصيل بيت السلطة من الداخل، ويفضّلون الهرب على أن يُبتلعوا في صراعات الأجنحة أو يُقدَّموا كأكباش فداء.
في مواجهة هذا النزيف، لجأ النظام إلى فرض حصار داخلي عبر توسيع العمل بإجراء “المنع من مغادرة التراب الوطني”، وهو ما يطال – حسب تقارير متقاطعة – ما يقارب 40% من المواطنين، في مشهد أقرب إلى سجن جماعي. من بين ضحايا هذا الإجراء التعسفي، الصحفي رؤوف حرز الله، الذي مُنع بدوره من السفر رغم كونه لا يحمل سوى قلما.
وبموازاة هذا القمع الداخلي، لم يتوانَ النظام عن ملاحقة المعارضين في الخارج بمذكرات توقيف دولية، بل تجاوز ذلك إلى تنفيذ عمليات وصفتها منظمات حقوقية بـ”الإرهابية” على أراضٍ أجنبية، مما يعكس الطبيعة البوليسية العنيفة لنظام يستشعر نهايته، لكنه لا يكف عن التوغل في القمع والفشل.